قيّمت الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطي، ليلى قهرمان، الوضع والتطورات التي شهدتها الأراضي السورية في حديثها لوكالة فرات للأنباء (ANF). وذكرت في تقييمها قائلة: "إن الشعب السوري لم يتمتع بحقوقه بشكل كامل خلال 54 عاماً من حكم النظام البعثي في سوريا، إضافة إلى 14 عاماً من الصراع الناتج عن الأزمة السورية، التي تسببت في معاناة كبيرة للسوريين.
خلال هذه الفترة، لم تكن هناك أي حقوق للمكونات، الأعراق، أو القوميات الأخرى في سوريا. لقد كان النظام البعثي نظاماً قائماً على خلق مسافات بين المكونات والأعراق السورية، حيث عمل باستمرار على تعزيز الانقسامات وعدم بناء أي ارتباط أو تقبل متبادل بين هذه المكونات. كما لم يعتبر التنوع السياسي والعرقي أمراً ضرورياً في البلاد."
وأضافت ليلى قهرمان في حديثها: "إن النظام البعثي أسس نظاماً قائماً على اللون الواحد، اللغة الواحدة، والرؤية الواحدة. لم تحقق هذه السياسات الراحة للشعب السوري، الذي لم يعد يرغب في الاستمرار في ظل هذا النظام القمعي. ونتيجة للتراكمات التي خلفها النظام البعثي، أعرب الشعب السوري عن رغبته في العيش بكرامة وسلام. ومع ذلك، واجه المدنيون الذين خرجوا إلى الساحات للتعبير عن رأيهم عنفاً واضطهاداً من قبل النظام البعثي."
وأردفت ليلى قهرمان في سياق حديثها: "كانت هناك أساليب عديدة للحوار في سوريا، ولكن نظام البعث استخدم العنف دائماً".
وتابعت: "أصبحت سوريا منطقة يمكن للجميع تحقيق مصالحه فيها، وظهرت لاحقاً الحركات الإرهابية، وتمركزت العديد من القوى الدولية على أراضيها، مما حولها إلى منطقة حرب. وبدلاً من أن يتجه النظام البعثي نحو الديمقراطية، اختار العنف ولم يستمع إلى صوت حرية الشعب السوري ورغباته وآماله، بل استخدم كل وسائل القوة والعنف ضد هذه المطالب، رغم أنها حق لكل إنسان عاش على هذه الأرض، ودائماً ما أبعد النظام البعثي شعب شمال وشرق سوريا عن الوضع السوري العام، ولم يتخذ موقفاً بقبول مكونات هذه المناطق، ما أدى إلى حدوث انقسام كبير خلال سنوات الأزمة التي مرت بها البلاد، كان بإمكان النظام البعثي حل هذه المشاكل والتراكمات بطريقة أفضل، لكنه اختار الاستمرار في سياساته القديمة، القائمة على الحفاظ على النظام بأي ثمن.
فماذا فعل النظام البعثي؟ اعتقل الآلاف من الأشخاص، مارس القتل وارتكاب المجازر، وحرم الناس من حقوقهم، هويتهم الثقافية، وآرائهم."
وتابعت ليلى قهرمان حديثها قائلة: "في خضم الصراع السوري، لم تكن هناك فرص حقيقية لإقامة مشروع الإدارة الذاتية في مناطق شمال وشرق سوريا بسبب هجمات داعش. ومع ذلك، شهدنا تكاتفاً بين جميع المكونات السورية في تلك المناطق، وهي المكونات التي عمل نظام البعث لسنوات طويلة على تفريقها. لكن مع ظهور الإدارة الذاتية، تم تدمير هذا النظام القمعي وبرزت إرادة الشعب. وأكبر مثال على ذلك كان عندما قاتلت مكونات شمال وشرق سوريا جنباً إلى جنب ضد تنظيم داعش، مما أظهر قوة الوحدة والتعاون بين هذه المكونات."
وتطرقت ليلى في حديثها إلى أهمية إرادة الشعب، قائلة: "إن إرادة الشعب تستطيع أن تتغلب على كافة الصعوبات والسياسات القائمة، والشعب أيضاً على دراية بهذا الأمر. قد لا تكون الفرص دائماً متاحة أو بيد الشعب، ولكن يمكن القول إن الشعب أصبح قادراً الآن على تقرير مصيره بنفسه، لأنه مر بتجارب طويلة ومؤلمة. وفي هذا الوقت الذي نعيشه، نحن أمام لحظات تاريخية. علينا أن نجعل من هذه الفرحة قوة للتغيير والتحول، وقوة لبناء سوريا جديدة؛ سوريا التي ستُبنى بمشاركة جميع الأعراق والثقافات، وستتسم بملامح متعددة تعكس تنوعها."
وشددت ليلى من خلال حديثها على ضرورة مكانة المرأة في مستقبل سوريا الجديدة، قائلة: "لا بد للمرأة السورية أن تمتلك استراتيجية وسياسة واضحة نصب أعينها اليوم، عليها أن تجمع كل طاقاتها وقوتها وصوتها، وأن تكون قادرة على لعب دورها الرئيسي في سوريا الجديدة بصوت واحد في العملية المستقبلية. ونحن، في مجلس سوريا الديمقراطي، نؤكد دائماً أنه في أي عملية سياسية، إذا لم تكن المرأة جزءاً أساسياً منها، فلن يكون لتلك العملية معنى، ولن تتمكن من تحقيق النتائج السياسية المطلوبة."
وأكدت ليلى: "من أجل الشعب بأكمله، ومن أجل الشخصيات الديمقراطية، ومن أجل بناء سوريا جديدة، نحن مستعدون للحوار مع حكومة دمشق لتحقيق سوريا ديمقراطية متعددة الأعراق والثقافات. على القوى الديمقراطية أن تبني حركتها في هذا الوقت بدلاً من الاكتفاء بمراقبة المشهد السياسي. يجب أن نظهر مرة أخرى القوة التي أظهرتها القوى الديمقراطية خلال الصراع في سوريا.
لذلك، ينبغي أن تتحقق الوحدة السورية في إطار الوحدة الوطنية، وهذا أمر بالغ الأهمية لسوريا. إن مسؤولياتنا التاريخية تتزايد، وهي تتعلق بكيفية بناء وطننا، وكيف يمكننا لعب دور كبير في ذلك، بالإضافة إلى إصلاح نقاط الضعف التي ظهرت في الماضي.
لا ينبغي استبعاد أي تنظيمات أو هياكل من هذه العملية. في الوقت نفسه، يجب أن يكون للنساء والشباب دور محوري. على هذا الأساس، يجب تحقيق الوحدة والرؤية السورية. وفي هذا الوقت، من الضروري الوصول إلى السجناء المفقودين والعثور عليهم، ومحاسبة كل من تعرّض للتعذيب، الإعدام، أو التعنيف، لأن هذه الجرائم تمثل انتهاكاً صارخاً للإنسانية. كما يجب أن تستمر التحقيقات لضمان تحقيق العدالة. ونظراً لأننا لا نزال في وضع غير مستقر، يجب أن نعمل بجدية على ذلك، وعلينا تطوير أساليب وطرق مشتركة لتحقيق وحدتنا وبناء سوريا ديمقراطية."
وفي سياق حديثها، تطرقت ليلى قهرمان إلى الحكومة السورية الجديدة، وقالت: "الكثير من الناس قلقون بشأن هذه الحكومة، التي كانت في إدلب وتم إخراجها منها وإرسالها إلى دمشق. بسبب ذلك، لم يتم التشاور مع أي طرف في سوريا بشأن تشكيل هذه الحكومة، أو لم يتحاور معها أي طرف. هذه الحكومة لا تمارس عملها إلا من خلال المؤسسات حتى لا يحدث أي انقطاع في الحياة اليومية. أما الأعمال الأخرى مثل الدستور والانتخابات، فهي جزء من العملية السياسية ويجب استكمال التجارب السابقة. فإذا كانت الحكومة واحدة، فسوف نعود إلى سنواتنا السابقة المليئة بالألم والمعاناة. ليس من الضروري أن يخرج طرف واحد مرة أخرى، ولكن لغة مشتركة بين السوريين تعطي الأمل. عندما نقول "نحن السوريون"، يجب أن نمتلك لغة الأخذ والعطاء معاً، وأن تكون لدينا لغة الوحدة، ويجب أن يشارك الجميع في هذا البلد في هذه العملية. وهذا الأمر جيد، لكن إذا قيّمناها من حيث تنظيمها، فإن هذه المكونات أو القوى الديمقراطية الموجودة في سوريا الجديدة يجب أن تمثل جميع المكونات السورية بكل ألوانها. يجب رسم ملامح سوريا الجديدة وشكلها المنشود حتى لا نعود إلى السنوات السابقة، لأن من المهم جداً الحصول على نتائج أفضل من تلك التي شهدناها في الماضي."
وأضافت ليلى: "نحن لا نقيّم الأمور بناءً على ثلاثة أشهر فقط، بل نتساءل كيف سنواجه الوضع بعد هذه الفترة، لأن اليوم، الأركان الرئيسية للحكومة الحالية موجودة أيضاً. هذه المرة، يجب أن تكون سوريا الجديدة معبرة عن لون الشعب ومصالحه. ويجب أن يتقدم مكونات الشعب السوري، ويجب أن تكون الحياة السياسية في سوريا أقوى، والديمقراطية يجب أن تكون أكثر فاعلية وتنوعاً.
وإلا، سنعود إلى التجربة السابقة ونعيش مزيداً من الألم".
كما قيّمت ليلى قهرمان دور الدولة التركية في الصراع السوري قائلة: "كان دور الدولة التركية في الصراع السوري سلبياً للغاية.
ففي السنوات الأولى، كانت تركيا تحاول دائماً إخراج أزماتها الداخلية تحت مسمى 'حماية الحدود وأمن الحدود'، وكانت تهاجم دائماً السلام الذي كان يسعى شمال وشرق سوريا لبنائه. وفي الوقت نفسه، تدخلت الدولة التركية بشكل كبير في الصراع السوري.
وذكرنا أنه عندما بدأت عملية أستانا، كانت لدى الدولة التركية فرص أكبر للتدخل في الصراع السوري والتعامل مع هذه المشكلة بناءً على مسؤولياتها منذ ذلك الحين. وفي عام 2015، بسطت الدولة التركية نفوذها في سوريا، ودعمت ورعت المرتزقة الحاليين.
والدولة التركية لا تريد استقرار سوريا، ولا تزال تسعى لاحتلال الأراضي السورية. وفي ضوء السنوات الماضية، رأينا أنها احتلت جرابلس وأعزاز والباب وكري سبي وسري كانيه وعفرين. واليوم، في ظل الوضع الراهن، هناك تهديد كبير بهجمات على منبج وسد تشرين، وكذلك على كوباني. فهي تريد إنجاز مهمتها العسكرية مرة أخرى. الحدود التي وُضعت لها في لوزان لم تكن كافية، ولذلك تسعى اليوم لإعادة تشكيل حدودها. ونرى أن الدولة التركية تنفذ دائماً هجمات من خلال مرتزقة الهيئة. وفي رأينا، الدولة التركية لا تريد لسوريا أن تكون مستقرة، بالنسبة لنا، لقد قالت دائماً أنه يجب علينا الحوار، وأنه يمكننا جعل الوضع الحالي أكثر استقراراً، وعلى هذا الأساس، يمكننا التحرك نحو الحل، لكن لا تستخدم هذه اللغة، والأهم من ذلك، أنها تظهر مشاكلها الخاصة، ومن تشكل خطراً على نفسها، ولا تأخذ في اعتبارها إرادة الشعب السوري.
إن الشعب السوري هو من يستطيع أن يقرر مصيره، ويعمل على تحقيقه، ويبني وحدة ديمقراطية ووطنية، وفي هذه اللحظات، نرى أن سوريا تواجه تغيرات كبيرة، ولكن ما زلنا نرى أن تركيا تضع يدها على قرار سوريا في هذه العملية الجديدة. لأن تركيا لن تسمح بتشييد الأعراق والثقافات المتعددة التي نريدها في سوريا، ولن تسمح بظهور دور الشعب السوري في بناء سوريا. لكن الشعب السوري يدرك هذا الأمر ويرفع صوته شيئاً فشيئاً، ومن أجل ذلك، فإن إرادة الشعب دائماً تنتصر على كل شيء."
وفي نهاية حديثها، نوّهت الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطي، ليلى قهرمان، إلى أهمية وحدة الشعب السوري، قائلة:
"إن وحدة الشعب السوري هي الحل لكل المشاكل الحالية، وستُتغلب عليها، ستكون لغة الحوار هي التعاون، وليأخذ الشعب مكانه التاريخي والسياسي في تاريخ بلده، ويكون له دور في صنع مستقبله. هذا أمر مهم جداً، حتى في الثورات والاضطرابات. وعلى الرغم من وجود حوار، إلا أن المرء يرى أنه لا تزال هناك مرونة، وأن التعزيز الضروري سيُقدّم في هذا الوقت. لكن الناس ما زالوا ينتظرون ظهور هذا الخط. لقد قلنا دائماً أنه بغض النظر عما يحدث، ومهما اختلفنا، يجب أن نضع القضايا الراهنة جانباً ونجري حواراً معاً. فالحوار الكردي سيكون أرضية لوحدة الشعب السوري. جانب آخر هو حق الشعب الكردي اليوم في حل قضيته، لأن القضية الكردية هي قضية دولية. ووحدة الشعب الكردي ضرورية. ففي هذه المائة عام من الفرص التي بنيناها، فقد العديد من الناس حياتهم من أجلها. ولكي يتمكن الناس من حماية وجودهم وصوتهم ومكانتهم، ومن أجل وجود الخط الكردي، من الضروري أن يتوجه الكرد إلى دمشق بصوت واحد في هذا الوقت، وإذا لم يحدث ذلك، فلن يتمكنوا من الحصول على أي حق.
يجب أن تكون الوحدة والحوار الكردي في هذا الوقت أكثر أهمية من أي وقت مضى. ففي هذه اللحظة، يجب أن نخلق الوحدة، وعلينا أن نعبر عن رغباتنا في هذه الحكومة الجديدة. هذه فرصة تاريخية، ونحن واثقون من أن هذه الوحدة ستصبح جزءاً أساسياً في الخط الكردي، وسيسهم ذلك في تعزيز صف الشعب السوري الواحد."